د. مزمل أبو القاسم يفند أكذوبة الرصاصة الأولى بالتفصيل.. وينشر أخطر التفاصيل
د. مزمل أبو القاسم يفند أكذوبة الرصاصة الأولى بالتفصيل.. وينشر أخطر التفاصيل
في أبريل 15, 2024
الحرب لا تُشن برصاصة واحدة، والتحضير لها لا يتم بين يوم وليلة، ولا بين عشية وضحاها،وقد سعى متمردو الدعم السريع وحلفاؤهم السياسيون لترسيخ أكذوبة ساذجة، وفرية كبرى، مفادها أن عناصر من الجيش (تنتمي إلى الحركة الإسلامية) هي التي أشعلت فتيل الحرب وابتدرتها بإطلاق النار على قوات الدعم السريع الموجودة في منطقة المدينة الرياضية وأرض المعسكرات صبيحة يوم السبت الموافق 15 أبريل 2015، ولتفنيد تلك الفرية نذكر ما يلي:
(1)
لا جدال على أن الجيش لم يكن جاهزاً للحرب وبالتالي يستحيل عملياً أن يتورط في حرب لم يجهز نفسه له، والدليل على ذلك أن نسبة الاستعداد فيه كانت عادية وانحصرت يوم 15 أبريل في 30% فقط، وداخل مباني القيادة العامة كانت القوة الموجودة محصورة في كتيبة واحدة، تضم بعضاً من الكتبة المسئولين عن الشئون
الإدارية والمالية، وعلى خلاف ذلك فإن تحضيرات متمردي الدعم السريع للحرب وحشدهم للجنود والعتاد العسكري لم تبدأ في شهر أبريل من العام المنصرم، بل إن الخرطوم سقطت فعلياً وعملياً في يد قوات حميدتي في اليوم ذاته الذي سقطت فيه حكومة الإنقاذ، أي يوم 11 أبريل 2019، إذ انتشر الدعم السريع يومها في كل أرجاء العاصمة، ونشر قواته في محيط القيادة العامة وداخلها، كما دخل القصر الجمهوري ووضع تاتشراته داخل حوش القصر (بوجود لواء كامل للحرس الجمهوري)، وأحاط بمباني الإذاعة والتلفزيون ومطار الخرطوم وانتشر في كل المناطق الحيوية بالعاصمة، ووضع يده على جانب كبير من معسكر سلاح المظلات بالخرطوم بحري، واستولى على مقار حزب المؤتمر الوطني بما فيها المركز الرئيسي المواجه لمطار الخرطوم، ولاحقاً استولى الدعم السريع على كل معسكرات قوات هيئة العمليات بعد حلها (في كافوري وجنوب المطار وسولا وأم درمان)، وشيد (18) معسكراً داخل العاصمة وفي محيطها، وكان أضخمها وأشهرها معسكر طيبة، ومعسكر جبل سركاب، ومعسكر القطينة وغيرها.
(2)
أما تحضيرات قادة الدعم السريع للحرب في الفترة التي سبقتها فقد كانت واضحة لكل ذي عينين، حيث حشدوا عشرات الآلاف من الجنود داخل العاصمة، وأبرموا اتفاقاً مع وزيرة الشباب والرياضة هزار عبد الرسول في التاسع والعشرين من شهر مارس 2023، استأجروا بموجبه مباني المدينة الرياضية وأرض المعسكرات لاستخدامها كمعسكرات لآلاف الجنود، وقد أنكرت الوزيرة ذلك الاتفاق ابتداءً، لكن صورة العقد تسربت إلى وسائل الإعلام، فاضطرت إلى الاعتراف به لاحقاً، وذكرت في تصريح رسمي ما يلي: (كشفت وزيرة الشباب والرياضة هزار عبد الرسول عن اتصال تم مع مستشار نائب رئيس مجلس السيادة طلب فيه أن يكون هناك منطقة محددة تابعة للدعم للسريع بمدينة الشباب والرياضة بسوبا، وأضافت هزار خلال حديثها في المنبر الأسبوعي الذي تنظمه وزارة الإعلام أن مدينة الشباب تتبع لوزارة الشباب والرياضة ويشرف عليها الوزير وتتم فيها استضافة كل مناشط الوزارة وأيضاً مناشط من خارج السودان، موضحة أن بها قيمة إيجار لتسيير العمل داخل المدينة ويتم فيها إقامة المعسكرات لكل المناشط الرياضية، ونفت الوزيرة هزار أن تكون هذه المقار هي مقرات سكنية تتبع للدعم السريع، مؤكدة أن مدينة الشباب والرياضة للأنشطة الرياضية وليست أماكن سكنية).. وبكل تأكيد لا يمكن النظر إلى حشد أكثر من عشرة آلاف جندي داخل مباني مدينة رياضية وفي منطقة مخصصة لمعسكرات الرياضيين بالخرطوم بعين بريئة، ومن دون أن يتم ربط ذلك الأمر بما تلاه بعد زهاء أسبوعين فقط، حينما تحولت تلك المعسكرات والمنشآت الرياضية إلى أكبر وكر لتمردي الدعم السريع، الذين حشدوا مئات التاتشرات علاوة على كميات هائلة من الذخائر والأسلحة والوقود والتعيينات داخل المدينة الرياضية للاستفادة من مبانيها الحصينة لتجنب هجمات الطيران.
(3)
سبق ذلك كله تمرد شهير لنائب قائد قوات الدعم السريع عبد الرحيم دقلو، الذي هدد قائد الجيش ورئيس مجلس السيادة؛ سعادة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، في مخاطبة شهيرة تمت في قاعة الصداقة يوم 29 مارس 2023، أمام حشد ضخم من أبناء قبيلة المسيرية عندما قال له بالحرف الواحد: (عندنا رسالة لإخوانا في السلطة.. سلموا السلطة بدون لف ولا دوران)؛ وأعتبر كثيرون تحدي ضابط في قوة نظامية لقيادة الدولة والجيش ومطالبته لها بتسليم السلطة بمثابة انقلاب حقيقي وتمرد معلن، لأن الضباط غير مخولين بانتقاد قادتهم ولا بتهديدهم.
(4)
إذا تغاضينا عن كل ما حدث قبل شهر أبريل 2023، وركزنا على الأحداث التي وقعت في الشهر المذكور سنوضح أن الدعم السريع أقدم يوم 12 أبريل على احتلال مطاري مروي والأبيض، عندما حرك قوة ضخمة قوامها قرابة المائتي تاتشر من الخرطوم إلى مروي أولاً، من دون سابق إخطار للجيش وبلا تنسيق معه، كما حاصر مطار الأبيض في اليوم نفسه، ووضع تاتشراته في مدرج المطار لمنع استخدامه بواسطة مقاتلات سلاح الطيران السوداني، قبل أن يهاجم المطارين صبيحة يوم 15 أبريل، ويدمر ثلاث مقاتلات كانت مرابطة في مطار الأبيض، وأربع طائرات مصرية وثلاث طائرات سودانية كانت موجودة في مطار مروي.
(5)
في العاشر من شهر أبريل 2023 أقدم الدعم السريع على تحريك (54) قطعة مدرعات مملوكة له من قاعدته العسكرية في منطقة الزُرق بجنوب دارفور باتجاه الخرطوم، ووصلت تلك المدرعات ودخلت العاصمة على رؤوس الأشهاد (عبر كوبري الفتيحاب) ظهر يوم 13 أبريل، وشاهدها الآلاف، وتوجهت من فورها إلى جنوب الخرطوم، حيث رابط بعضها في المدينة الرياضية وأرض المعسكرات، وتم وضع البعض الآخر في معسكر طيبة، ومناطق أخرى في الخرطوم، وتم استخدمات جزء من تلك المدرعات في الهجوم على مباني القيادة العامة صبيحة يوم 15 أبريل، بعد كسر الحائط الذي يفصل منزل قائد التمرد عن منزل قائد الجيش ببوكلن، تم إدخاله إلى منزل حميدتي خصيصاً قبل عدة أيام من موعد اندلاع الحرب.
وفي فجر يوم 15 أبريل أقدم متمردو الدعم السريع على أسر المئات من ضباط الجيش وهم في طريقهم لمواقع عملهم بالخرطوم، كما هاجموا مدرسة الاستخبارات بعد كسر الحائط الذي يفصلها عن مقر الدعم السريع جنوب مطار الخرطوم (قيادة هيئة العمليات سابقاً) واعتقل المتمردون قائد مدرسة الاستخبارات (برتبة لواء) وعشرات الضباط، كما تم أسر المفتش العام للجيش (الفريق كُتي) من داخل منزله في حي المطار، فهل يعقل أن يبتدر الجيش الحرب ضد الدعم السريع ولا يخطر مفتشه العام وكبار ضباطه بها ولا يحاول تأمينهم لمنع المتمردين من اعتقالهم بكل سهولة؟
(6)
صبيحة يوم 15 أبريل وبالتحديد قبل صلاة الفجر (قبل الرابعة صباحاً)، أقدم بعض الشباب على نشر مقطع فيديو وثقوا به لبداية انتشار قوات الدعم السريع في جنوب الخرطوم، وظهر صوت آذان الفجر مسموعاً بوضوح في ذلك الفيديو الذي امتد أكثر من 11 دقيقة وظهرت فيه أكثر من 100 عربة تاتشر محملة بالجنود ومدججة بمختلف أنواع الأسلحة والمعينات الحربية وهي تنتشر في الخرطوم فجراً، والفيديو المذكور ما زال منشوراً بموقع يوتيوب حتى اللحظة.
(7)
كذلك نشر جنود من الدعم السريع مقطع فيديو آخر يوضح سيطرتهم قواتهم على منطق قلب الخرطوم تمهيداً للهجوم على القيادة العامة قبل شروق شمس يوم 15 أبريل، وظهر في الفيديو أن الشمس لم تكن أشرفت بعد عندما انتشرت المئات من تاتشرات الدعم السريع في شوارع القصر والجمهورية والبلدية والنيل، استعداداً للهجوم على القيادة العامة للجيش، كذلك ظهر قائد التمرد في فيديو آخر فجر يوم 15 أبريل بعد أن احتلت قواته القصر الجمهوري وغدرت بالقوة التي كانت موجودة فيه.
(8)
في الأيام الأولى للحرب نشر متمردو الدعم السريع مقطعاً مصوراً ظهر فيه المتمرد عمر جبريل (أحد أبرز الأبواق الإعلامية لمليشيات الدعم السريع)، بمعية عبد من ضباط الجيش، الذين عرفوا أنفسهم بأنفسهم، وكان من بينهم العميد الركن مأمون محمد أحمد قائد اللواء الآلي مدرع الباقير، الذي ذكر في الفيديو بوضوح لا لبس فيه أنهم تعرضوا للأسر يوم (14 أبريل) ذلك يعني أن متمردي الدعم السريع احتلوا حامية الباقير وأسروا قائدها وثلاثة من ضباطها قبل انطلاق الرصاصة الأولى بيوم كامل.
(9)
الهجوم الذي شنه متمردو الدعم السريع صبيحة يوم 15 أبريل 2023، لم يقتصر على مباني القيادة العامة، بل تزامن مع سلسلة هجمات شاملة ومنسقة بعناية تمت على سلاح الإشارة، سلاح المهندسين، سلاح المدرعات، قاعدة وادي سيدنا الجوية، مطار مروي، مطار الأبيض، حامية الهجانة الأبيض، حامية الفاشر، حامية زالنجي، حامية بابنوسة، وكذلك تم الهجوم على معسكرات الجيش في مدن كبكابية وكتم والفولة وعدد كبير من مدن دارفور، كذلك بادر متمردو الدعم السريع باحتلال مقرات التصنيع الحربي في الباقير وكافوري ومنطقة قرِّي في الوقت نفسه، فهل يمكن أن يتم ذلك كله بالصدفة؟
وهل يمكن أن يحدث ذلك كله نتاجاً لرصاصة وحيدة انطلقت ضدهم بجوار المدينة الرياضية؟
(10)
قبل الحرب بثلاثة أيام فقط بادر سفير الاتحاد الأوروبي بمعية عدد من سفراء دول الاتحاد الأوروبي بزيارة حميدتي في منزله بحي المطار، ورافقهم في الزيارة السفير خالد موسى مدير الإدارة الأوروبية في وزارة الخارجية السودانية وقتها، وطلب السفراء من قائد التمرد خفض التوتر وعدم التورط في حرب مع الجيش، لكنه فاجأهم بقوله: (أنا وقعت الاتفاق الإطاري وما بتراجع عنه.. والبرهان إذا ما وقع ونفذ سأعتقله وأضعه في سجن كوبر بجوار البشير)، وبالفعل قرن القول بالعمل وهاجم منزل قائد الجيش ومنازل رفاقه ومباني القيادة العامة محاولاً أسرهم أو قتلهم لكن بسالة وجسارة أبطال الحرس الرئاسي أفشلت المخطط الآثم.
(11)
في الشهور التي سبقت الحرب أقدم الدعم السريع على شراء واستئجار (480) منزلاً في مدن العاصمة الثلاث، وتم التركيز على المنازل الكبيرة التي يمكن أن يتم تخزين المركبات الحربية (التاتشرات) فيها، وتم انتقاء منازل بها أدوار تحت الأرض (بدرومات)، وتم حشوها بالتاتشرات والأسلحة والذخائر والوقود كما اشترى الدعم السريع عشرات المزارع حول الخرطوم، وبالتحديد في مشروع السليت وشرق النيل وغرب أم درمان وشمال وشرق كافوري، وتم تخزين أعداد ضخمة من التاتشرات والأسلحة والذخائر والوقود فيها، وكان واضحاً أن تلك الخطوة تأتي في إطار التحضير لحرب يستهدف بها المتمردون الاستيلاء على السلطة بانقلاب مسلح تم التخطيط له بعناية فائقة.
(12)
قبل الحرب بفترة وجيزة أقدم متمردو الدعم السريع على شراء كبير عدد من قطع الأراضي في مناطق حيوية بوسط الخرطوم، وشيدوا على بعضها معسكرات كبيرة تسع آلاف الجنود في قلب الخرطوم، ومنها معسكر في قطعة أرض كبيرة تقع جنوب القصر الجمهوري، وبجوار المسجل التجاري، وأخرى تقع غرب مباني قيادة الدعم السريع في الخرطوم شرق (مستشارية الأمن سابقاً) شرق مبنى المجلس القومي للصحافة، وفي المبنيين تم تخزين أعداد كبيرة من التاتشرات وكميات ضخمة من الأسلحة والذخائر والوقود والتعيينات، علاوة على آلاف الجنود، ومن المبنيين ومبنى رئاسة المؤتمر الوطني سابقاً تم الهجوم على مباني القيادة العامة واحتلال القصر الجمهوري.
(13)
قبل الحرب استورد متمردو الدعم السريع منظومات اتصال لاسلكية متطورة وزودوا بها قواتهم لربطها والتنسيق بينها في ساعة الصفر، كما تحصلوا على منظومة تجسس إلكترونية طراز (بيغاسيوس) الشهيرة لاستخدامها في التجسس على هواتف قادة الجيش والقوات النظامية، ونظم الاتصالات الخاصة بالقوات المسلحة، علاوةً على منظومات أخرى حديثة للتشويش على اتصالات الجيش، واستخدموها بكفاءة فائقة وبواسطة خبراء أجانب تم إحضارهم من الخارج خصيصاً لأداء تلك المهمة.
(14)
قبل الحرب بفترة وجيزة حاولت استخبارات الدعم السريع استمالة عدد من أمهر طياري القوات الجوية بالمال، وتواصلت مع بعضهم وعرضت عليهم مبلغ مائتي ألف دولار لكل واحد منهم نظير رفض تنفيذ أي تعليمات تقضي بقصف معسكرات وقوات الدعم السريع حال إقدام قيادته على شن الحرب على الجيش، وقد أبلغ أولئك الطيارون قيادة الجيش بتلك المحاولة ورفضوا الاستجابة لهم بوطنية عالية، وكذلك رصدت استخبارات الدعم السريع منازل الطيارين في أرجاء العاصمة ونجحت في اعتقال بعضهم في اليوم الأول للحرب.
(15)
قبل الحرب أقدمت قيادة الدعم السريع على تجهيز عدد من الغرف الإعلامية المتخصصة داخل وخارج السودان، كما تعاقدت مع شركات أجنبية متخصصة لإدارة الآلاف من الحسابات الوهمية في منصات التواصل الاجتماعي، واستخدمتها بعد اندلاع الحرب بكفاءة عالية، وكذلك استمال المتمردون عدداً من الإعلاميين البارزين داخل وخارج السودان لمساندتهم إعلامياً، وتم شراء ذمم عدد من الناشطين المشهورين للترويج للدعاية الخاصة بالمتمردين ودعمهم إعلامياً، وظهرت أسماء لمتحدثين باسم الدعم السريع ومستشارين إفادته لم يسمع بها أحد قبل الحرب حيث تم توظيفهم للدفاع عن المتمردين في الفضائيات الخارجية، أمثال عمران عبد الله والباشا طبيق وسيبويه يوسف وغيرهم، وبالفعل نشوا في أداء المهمة القذرة على (أسوأ) وجهم ممكنة.
الخلاصة:
أن ما حدث في السودان يوم 15 أبريل لم ين وليد صدفة، ولم يحدث بسبب رصاصة أولى انطلقت في جنوب الخرطوم، بل يمثل مخططاً آثماً تم التخطيط له بعناية على مدى سنوات، بغرض اختطاف الدولة السودانية والاستيلاء على نظام الحكم، وتدمير الجيش وتفكيكه واستبداله بالدعم السريع، وتم توظيف مبالغ ضخمة من المال لتنفيذ ذلك المخطط الآثم، لكن إرادة المولى عز وجل كانت أقوى من كيد الكائدين، كما لعبت بسالة وشجاعة أبطال القوات المسلحة والقوات النظامية الأخرى دوراً محورياً في إبطال وإفشال المخطط الشيطاني الذي استهدف ابتلاع السودان والاستيلاء على مقدراته ونهب موارده وتهجير شعبه وإحداث تغيير ديموغرافي شامل فيه (ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين)