للعطر افتضاح
* من كانوا يحُضُّون شباب الثورة على ترديد هتافاتٍ صاخبةً عنيفة، على شاكلة (الحل في البل)، باتوا يطلقون على الراغبين في الدفاع عن النفس لقب (البلابسة)، متهمين إياهم برفض السلام وتبني خيار الحرب، واجتراح شعار (الحل في البل).
* من كانوا يحرضون الشباب على الموت فداءً للوطن بتشجيعهم على ترديد شعار (يا إنت يا وطنك.. حضِّر عديل كفنك).. ويستنكرون أي اعتداء عليهم ولو بعبوة بمبان، باتوا يستهجنون أي دعوة تستهدف مقاومة انتهاكات الجنجويد ولو تمت بالرصاص والقنابل، ويرفضون الدفاع عن النفس والمال والعرض، ويدمغون كل من يرغب في ممارسة ذلك الحق المكفول بكل الأديان السماوية والقوانين الوضعية بتهمة تسعير الحرب، حتى ولو استدعى ذلك الخضوع لإجرام وعنف وقسوة مجرمين سفلة، يقتلون المدنيين العُزّل بلا ذنب جنوه، ويدفنون بعضهم أحياءً من دون أن يهتز لهم رمش أو يطرف لهم جفن!
* من كانوا يطربون لشعارات بالغة العنف، تأتي على سيرة سفك الدماء وتحض على عدم التسامح مع الخصوم.. على شاكلة (الدم قصاد الدم.. ما بنقبل الدِيَّة) ويعظمونها ويقدمونها على شعارات راقية مسالمة (مثل حرية سلام وعدالة).. أصبحوا يعيبون على الراغبين في الدفاع عن أرضهم وعروضهم وممتلكاتهم تبني خيار مقاومة المعتدين!
* من كانوا يشجعون الشباب على عدم الصمت على الانتهاكات، وعدم الخوف من الرصاص ومواجهته بصدور عارية بترديد شعار (الطلقة ما بتكتل.. بكتل سكات الزول)؛ أصبحوا (لتسعة أشهرٍ خلت) وديعين مسالمين، يطالبون المواطنين بالخضوع والسكوت على جرائم وانتهاكات الجنجويد، بادعاء إن (الطلقة الما بتكتل) في ما مضى، ستقتلهم هذه المرة، لو تجرأوا على مواجهة حملة السلاح.. دفاعاً عن النفس، فهل تغيرت الطلقة.. أم تغيّر الزول؟
* استثمروا في أرواح شهداء الثورة وتاجروا بدمائهم، وما أن تسنّموا هرم السلطة حتى أداروا ظهورهم لهم، ورفضوا معالجة الجرحى حتى اضطروا إلى الاعتصام أمام وزارة مجلس الوزراء على أيام خالد سلك، ولجأوا إلى العسكر طلباً للعلاج!
* كان خيار المقاومة عند لصوص الثورات مقبولاً، وكان سفك دماء شبابها مرغوباً طالما أنه سيقودهم إلى بلوغ مقاعد السلطة، وأصبح الآن ممقوتاً ومرفوضاً لأنه سيحول دون توليهم مقاليد الحكم، حال إقدام المظلومين والمُنكّل بهم على مواجهة العنف بالعنف، والطلقة بالطلقة، دفاعاً عن الأرض والعرض والمال!
* كان المجد عندهم (للساتك)، فصار الآن (للأشاوس)، بعلاقةٍ آثمة، أنتجت ثمرةً مُحرَّمة قبل إشهارها بعقد قِرانٍ متأخر، أعقبه قضاء شهر عسل في أديس!
* كان شعار (العسكر للثكنات والجنجويد ينحل) يدوي في كل مكان وزمان، ونحفظ لهم هذه المرة أنهم احتفظوا بنصفه الأول (العسكر للثكنات)، ولحسوا نصفه الثاني، فالجنجويد ينبغي أن يبقوا لأنهم يمثلون سلاح المشاه للجيش السوداني، ولأن قوتهم بُنيت بأموال دافعي الضرائب (كما قال محمد الفكي سليمان)، ولأنهم لم يرتكبوا أية انتهاكات وجرائم كبيرة على مدى عشر سنوات قبل أن تدفعهم الحرب الحالية إليها (كما ذكرت رشا عوض).. فانظروا كيف تتبدل المواقف!!
* ازدرد عبدة السلطة شعاراتهم الواحد تلو الآخر، وأكلوها مثل أصنام العجوة، سعياً للحصول على سلطة زائلة ومقاعد رخيصة ومخضبة بدماء الأبرياء.. يتربعون عليها ولو كان ثمنها احتلال المنازل وانتهاك أعراض الأمهات والزوجات والشقيقات ودموع الأرامل، ونهب ممتلكات ومدخرات ومرافق خدمة الملايين من أهل السودان.. وصار استنكار احتلال الجنجويد للمنازل (مجرد مزايدة)، فالمهم حقاً عند (الميكافيليين الجدد) أن يحكموا بأي نهج، وأن يسودوا بأي ثمن، ولو استدعى ذلك تدمير الوطن، وقتل وتشريد وإفقار غالب أهله!
* في ما مضى كان الصمت عندهم مؤدِّيا إلى الموت، والآن أصبح عندهم موجباً للحياة.. فتأمل كيف يقولون الشيء ونقيضه، وكيف يدوسون على شعاراتهم.. بسنابك الجنجويد!
* سيكون من حق (الذين ظُلموا) وهبوا للدفاع عن أنفسهم بتيار المقاومة الشعبية العارمة الفتية أن يردوا على دعوات الاستسلام التي تريد لهم ولمنازلهم وأموالهم وممتلكاتهم أن تقع لقمة سائقةً في أفواه أوباش العصر الجديد بهتاف: (الطلقة ما بتكتل.. بكتل سلام حمدوك).. و(الشعب يُريد.. إسقاط الجنجويد)!