شئ للوطن م.صلاح غريبة ذكرى وفاة محمد مفتاح الفيتوري، رحيل شاعر
شئ للوطن
م.صلاح غريبة
ذكرى وفاة محمد مفتاح الفيتوري، رحيل شاعر
24 أبريل 2015، يوم حزين على سماء الشعر العربي، حيث رحل عنا شاعر أفريقيا والعروبة، محمد مفتاح الفيتوري، تاركاً خلفه إرثاً أدبياً ضخماً غنيّاً بالمشاعر الوطنية والإنسانية، الذي تميز بأسلوبه الشعري المُبتكر، مُتنوعاً بين التفعيلة والقافية والنثر، مُمزجاً بين التراث العربي والثقافة الأفريقية، عبّر شعره عن هموم الوطن العربي وقضايا الحرية والعدالة، مُلهماً الأجيال بروحه الثورية ونضاله من أجل تحرير أفريقيا من الاستعمار.
ولد الفيتوري في عام 1936 في السودان، ونشأ في بيئة ثقافية غنية، حيث حفظ القرآن الكريم وتعلم اللغة العربية والفرنسية، هاجر إلى مصر في عام 1958، ليكمل دراسته في جامعة القاهرة، وهناك برز نجمه كشاعرٍ مُبدعٍ، ونشر ديوانه الأول “أغاني أفريقيا” عام 1955.
أثْرَى الفيتوري المكتبة العربية بالعديد من الأعمال الشعرية والنثرية، من أشهرها: “عاشق من أفريقيا”، “اذكريني يا أفريقيا”، “معزوفة لدرويش متجول”، “تحية إلى الشهيد”، “يوميات برلين”. كما كتب مسرحية “عمر المختار” ونشيد “يا بلادي أنت حبيبي”.
برزت إبداعات الفيتوري في إبداعه الشعري، حيث يُعدّ الفيتوري من رواد مدرسة التجديد في الشعر العربي الحديث، اتّسم شعره بالتجديد والتجريب في اللغة والصياغة والموضوعات، مع الحفاظ على موسيقى الشعر العربي وقيمه الجمالية، وتميّز شعره باستخدام الرمزية والصور البلاغية الغنية، مستوحاة من ثقافته العربية والإسلامية، مما أضفى على شعره عمقًا ودلالةً فكريةً وفلسفيةً، تناول شعره مختلف الموضوعات الإنسانية، من الحب والغربة والوطنية إلى الحرية والعدالة والسلام، معبراً عن هموم الإنسان العربي والعالمي، تنوّعت أشعاره بين القصائد الطويلة والقصيرة، والموشحات والغزل والرثاء، مما يدلّ على قدرته الإبداعية وتقنياته الشعرية المُتقنة.
ان الفيتوري مثقفاً مُنّظراً، وله العديد من المقالات والدراسات الفكرية التي تناولت مختلف القضايا العربية والعالمية، من السياسة والفلسفة إلى الثقافة والأدب، وبرز نضاله من أجل الحرية والديمقراطية، وناضل ضد الاستبداد والقمع، ممّا جعله رمزاً للمقاومة الفكرية والنضال من أجل العدالة الاجتماعية، آمن بأهمية الحوار الحضاري بين الثقافات المختلفة، وعمل على تعزيز التفاهم والتسامح بين الشعوب.
كان الفيتوري أيقونة ثقافية بارزة، ونال إعجاب وتقدير العديد من المثقفين والمبدعين العرب والعالميين، فألهمت إبداعاته وأفكاره العديد من الأجيال من الشعراء والكتاب والمفكرين، وترجمت أعماله إلى العديد من اللغات العالمية، لهذا يُعدّ الفيتوري رمزاً ثقافياً عربياً هامّاً، ساهم بشكل كبير في إثراء الأدب العربي والفكر الإنساني.
تميز محمد مفتاح الفيتوري بصفات شخصية فريدة، فتميّز بشجاعته الأدبية في التعبير عن آرائه ومواقفه، حتى لو كانت مُخالفة للرأي العام، ورغم شهرته ومكانته، اتّصف بالتواضع وحبّ الآخرين، كما تميّز بمشاعره الإنسانية النبيلة وحبه للخير والعدل.
رحل الفيتوري عن عمرٍ يناهز 79 عاماً، تاركاً وراءه إرثاً أدبياً خالداً. حاز على العديد من الجوائز والتكريمات، ونال إعجاب وتقدير القراء والنقاد في الوطن العربي والعالم، لا تزال كلمات الفيتوري حيةً في قلوب محبيه، تُرددها الأجيال كرمزٍ للثورة والنضال من أجل الحرية. تُخلّدُ ذكرى وفاته كل عام، حيث تُقامُ الفعاليات والندوات لتكريم إنجازاته الأدبية وإبراز تأثيره على الشعر العربي.
سيظلّ محمد مفتاح الفيتوري رمزاً للشعر المُلتزم، شاعراً عبّر عن هموم أمته وناضل من أجل تحريرها. رحل جسده، لكن روحه الشعرية خالدة في كلماته التي ستظل تُلهم الأجيال القادمة، فيُعدّ محمد مفتاح الفيتوري شخصية استثنائية وفريدة من نوعها، ترك إرثاً ثقافياً وفكرياً غنيّاً يُثري الحياة العربية والعالمية.